مر شهر آخر وحدث ارتفاع جديد في معدلات التضخم الأمريكية إلى أعلى مستوى لها منذ عدة عقود.
وارتفع مؤشر أسعار المستهلكين بنسبة 6.8% في نوفمبر مقارنة بالعام السابق، بحسب الأرقام الصادرة في العاشر من ديسمبر الحالي، وهي أسرع وتيرة مسجلة منذ عام 1982.
وإذا كانت العناوين الرئيسية حول ارتفاع التضخم تظهر كالساعة في الولايات المتحدة، فهذا يرجع بالتأكيد إلى نسبتها الكبيرة التي بدت عليها الآن، فضلاً عن الرياضيات الأساسية لاتجاهات الأسعار على أساس سنوي.
وذكرت مجلة “ذي إيكونوميست” البريطانية، أن الارتفاع الكبير في معدلات التضخم منذ بداية عام 2021 يشير إلى أن الارتفاع على أساس سنوي سيظل بالتأكيد فترة من الوقت، في حين أن التوقعات المتفائلة نسبياً قد تؤدي إلى عودة التضخم إلى مستويات ما قبل الوباء .. لكن نهاية عام 2022.
لفهم السبب، ضع في اعتبارك الأرقام الأساسية.
ففي عام 2019، وهو العام السابق لظهور “كوفيد-19″، بلغ متوسط الزيادة الشهرية في أسعار المستهلكين بالولايات المتحدة 0.2%، وهذه النسبة كانت أقل بشكل طفيف على مدار عام 2020، عندما توقف النشاط الاقتصادي فترة وجيزة ثم عاد إلى الحياة من جديد.
أما في 2021، ففي ظل ارتفاع مستوى الانتعاش الاقتصادي، ارتفعت أسعار المستهلكين بمعدل 0.6% على أساس شهري، وهذا الارتفاع يظهر تأثيره الآن على مقارنات الأسعار السنوية.
تخيل، على سبيل المثال، أن مؤشر أسعار المستهلك في نوفمبر ظل عند نفس المستوى تماماً كما كان في أكتوبر (أو بعبارة أخرى، لم يكن هناك تضخم شهري).
حتى ذلك الحين، كانت الزيادة السنوية في مؤشر شهر نوفمبر قد وصلت إلى 6.3%، وهي أسرع وتيرة منذ عام 1990، في الواقع تسببت الارتفاعات الإضافية القائمة على أساس شهري والبالغ نسبتها 0.5% (قبل التعديل الموسمي) في استمرار ارتفاع الأسعار.
ما الذي يحمله المستقبل؟
ثمة مسارين بديلين، الأول يدور حول تراجع زخم التضخم على الفور إلى مساره السابق للوباء، إذ ترتفع الأسعار بنسبة 0.2% كل شهر، وهذه النتيجة ستكون النتيجة الحميدة للغاية بالنسبة للولايات المتحدة.
ومع ذلك، من المنتظر أن يستمر رقم التضخم السنوي في الارتفاع إلى أعلى مستوى آخر خلال أربعة عقود في شهر ديسمبر.
في النصف الأول من العام الجديد، من المتوقع أن يبلغ متوسط التضخم 5.4%، ولن تنحسر هذه النسبة إلى مستوى يتوافق مع هدف التضخم الفيدرالي البالغ 2% إلا في ديسمبر من عام 2022، وإن كان ذلك بناءاً على مقياس مختلف للأسعار.
وبالنسبة للمسار الثاني، لم يتغير الزخم التضخمي، بل إنه ظل عند نفس المستوى الشهري المسجل خلال العام الماضي، وهذا من شأنه أن يجعل كثير من المسؤولين الأمريكيين يواجهون ليلة بلا نوم.
ووفقاً لهذا السيناريو، فمن المتوقع أن يرتفع معدل التضخم إلى ما يقرب من 8% في فبراير قبل أن يتراجع قليلاً، ولو ظلت اتجاهات الأسعار الشهرية عند 0.6%، فإن التضخم سيستقر في النهاية عند مستوى 7.4% على أساس سنوي.
من المحتمل أن يكون كلا السيناريوهين متطرفين بعض الشيء- الأول مفرط في التفاؤل والثاني متشائم للغاية- لكنهما تجارب فكرية مفيدة حول الحدود الخارجية لاتجاهات الأسعار في الولايات المتحدة.
وبالطبع، يمكن للمرء افتراض سيناريوهات أكثر تطرفاً، حيث تصبح التوقعات التضخمية غير مقيدة وتتصاعد الأسعار بشكل كبير عند مستوى أعلى من أي وقت مضى، أو على الجانب الآخر، تعمل سلاسل الإمداد فجأة دون عوائق وتتسبب في الانكماش، لكن فكرة هذه السلاسل منخفضة على مقياس الاحتمالات.
تشير تفاصيل أرقام شهر نوفمبر إلى أن السيناريو الأكثر تشاؤماً سيكون أقرب إلى النسبة المستهدفة في بداية عام 2022.
يذكر أن أسعار المركبات، التي تسهم بشكل كبير في التضخم خلال العام الماضي، آخذة في الارتفاع مرة أخرى، وتحسنت حجم الأعمال المتراكمة في سلسلة الإمداد بشكل طفيف للغاية لكنها لا تزال تؤثر على الصناعة، فضلاً عن أن أسعار الطاقة لا تزال مرتفعة، وبدأت الإيجارات المتزايدة تتغذى على ضغوط الأسعار الأوسع نطاقاً.
هناك تحدي يواجه الرئيس الأمريكي جو بايدن وهو قيام البنك الاحتياطي الفيدرالي بثني منحنى السعر نحو النتيجة الأكثر اعتدالاً.
ومن هذا المنطلق، سيكون هناك ما يدعو إلى التفاؤل، حتى لو استغرق الأمر بعض الوقت لرؤية النتائج، فالأمر الأول يتمثل في التحفيز المالي العملاق الذي ساعد في تأجيج الطلب في الولايات المتحدة والذي يسير في مساره، والثاني هو توجه الاحتياطي الفيدرالي نحو سياسة نقدية أكثر تشدداً.
في الخامس عشر من ديسمبر، من المتوقع أن يقوم البنك المركزي بتسريع وتيرة تقليص مشترياته الشهرية من الأصول، والتي يأتي معظمها من السندات الحكومية، وهذا الأمر سيفتح الباب أمام رفع أسعار الفائدة الأمريكية في بداية شهر مارس، وهو ما ينبغي أن يمثل نقطة تحول حاسمة في المعركة ضد ضغوط الأسعار.
في غضون ذلك، يمكن للمرء الاستعداد لمواجهة بضعة أشهر أخرى من ارتفاع التضخم إلى أعلى مستوياته على مدى عدة عقود زمنية.